مراجعة فيلم Shot Caller
عندما تدخل السجن ، لا يهم من تكون .. قد تكون طبيبا ، مهندسا ، فيلسوفا ، محاميا ، مثقفا ، جاهلا .. قد تكون قويا أو ضعيفا .. مؤمنا أو ملحدا .. كل هذا لا يهم.
عندما تدخل السجن .. فأنت الآن سجين .. سجين فحسب ، وكل شيء آخر هو محض هراء غير مهم لا قيمة له.
فيلم SHOT CALLER
يتحدث فيلم Shot Caller عن رجل يعيش حياة يمكن أن نسميها مثالية ، عمل محترم .. وضع مادي ممتاز .. امرأة و طفل في منزل جميل يغمره الحب.
في يوم من الأيام يعود من سهرة ، هو و زوجته .. و صديقه المقرب و زوجته.
يتحدث هو وصديقه .. يغفل عن القيادة و يكون قد أكثر من شرب الكحول ، يصدم سيارة أخرى .. يتسبب هذا الحادث بوفاة صديقه و تحطيم السائق الآخر.
بسبب هذه الحادثة المفاجأة يتم اتهامه بجريمة قتل من الدرجة الثانية ، فيواجه السجن على الأقل لمدة سبع سنوات.
فيلم Shot Caller
قتل و اغتصاب و سرقة و ذل و إهانة .. وكل هذا بسبب الانتماءات المختلفة لعصابات متطاحنة ، تقوم في الغالب على أساس عرقي ( أبيض – أسود – مكسيكي – عربي – آسيوي .. إلخ ).
علاقة هؤلاء المساجين ببعضهم مادة دسمة للدراسة السيكولوجية و السوسيولوجية ( النفسية و الاجتماعية ).
التمثيل كان مبهرا فعلا ، عندما تنتقل بين الخطين الزمنيين ( قبل أن يصبح مجرما و بعد أن أصبح ) تشعر أنك فعلا أمام شخص مختلف بالكلية !!
تختلف طريقة كلامه و مشيه و نظراته ، حتى نبرة صوته و أدق تفاصيله تختلف ، ناهيك عن تغير شكله الخارجي من أوشام كثيرة ( يعبر الوشم عن انتماء إلى العصابة فكل عصابة لها وشم خاص بها ) و قَصَّة شعر و ذقن غريبة خاصة بمن هم على شاكلته.
قام Nikolaj Coster-Waldau بأداء شخصية في غاية التعقيد و بطريقة في غاية الإتقان و الروعة و أثبت لي كمشاهد أنه ممثل متمكن فعلا و أقل ما يقال عنه أنه ممثل أكثر من جيد.
الكاتب-المخرج قام بعمل جبار فعلا و ممتاز من جميع النواحي.
إلى اليوم أفضل أعمال تحدثت عن الأجواء داخل السجون بحسب خبرتي الشخصية هما فيلم a prophet الفرنسي و فيلم shot caller خاصة من ناحية العصابات و علاقاتها مع بعضها و القوانين التي تحكمها.
فيلم Shot Caller والواقعية
هذا من أكثر الأفلام المظلومة إعلاميا و المظلومة من ناحية النقاد على الإطلاق ( تقييمه لا يتجاوز 63% على rotten tomatoes !!).
أنصح به و بشدة فهو من أفضل الأفلام عن هذا الموضوع في نظري.
شخصيا .. أنا شخص مهتم بموضوع السجن وما يتعلق به ، كيف نشأت هذه الفكرة وتاريخها .. من أين جاءت و من هو صاحبها الأول ؟
فلسفة هذه الفكرة ( هناك أشخاص مضرُّون للمجتمع ، أشبه بالأمراض .. لذلك ، ومن أجل صحة المجتمع يجب عزل هؤلاء الأشخاص بعيدا عن البشر الطبيعيين ).
فنظرة المجتمع للمجرم أو للسجين نظرة مختلفة تماما.
تقريبا ، هم ( المساجين ) يشعرون أنهم دون مستوى البشر بسبب تواجدهم بين أربعة جدران.
قرأت كثيراً في أدب السجون .. و شاهدت أفلاما وثائقية و شهادات مروعة و أفلاما سينمائية كثيرة حول الموضوع.
و رأيي إلى الآن في هذه التجربة : دخولك لهذا العالم و التوغل فيه و معرفة تفاصيله .. لن يكون أمرا جميلا ممتعا ، بل ستكون تجربة قاسية جدا ، كئيبة جدا ، مقززة جدا و مؤلمة إلى أبعد الحدود .. شيء يصعب وصفه ، المعاناة الإنسانية بأبشع و أقسى صورها الجسدية و النفسية و الروحية.
ولكن .. على الطرف النقيض.
هي تجربة مفيدة فعلا .. ستجعلك تقدِّرُ قيمة الحياة ، و تقدِّرُ أمورا و تفاصيل صغيرة جدا لم تكن تنتبه لوجودها من قبل.
تقدِّرُ أنك حر طليق بإمكانك أن تمشي و تقفز ، بإمكانك أن تختار ما تلبس و ما تأكل و ما تفعل و مع من تتحدث .. بإمكانك التحدث مع أهلك ، هذا الأمر الذي يعتبر أمنية لدى معظم المساجين.
بإمكانك النوم على سرير بدلا من النوع واقفا أو في مرحاض قذر أو على الأرض الرطبة.
بعد الغوص في تفاصيل السجون ، تصبح معتاداً على أن تأكل أي شيء ، وأن لا تتكبر على شيء .. و تصبح ترى كل مشاكلك اليومية التي كانت تغضبك غضبا شديدا .. تصبح تراها مشاكل تافهة مثيرة للضحك.
بأضدادها تعرف الأمور .. لا يمكن معرفة معنى السعادة دون معرفة المعاناة.
و أقسى صورة للمعاناة البشرية .. هي السجن.